الصناعة الثقافية، جلابة للإقتصاد

94

تعتبر أزمة الصناعة الثقافية في تونس أزمة مشهد ثقافي كامل حيث نلاحظ غيابا لمشروع ثقافي وطني واضح المعالم مما أنتج ضبابية في الإستراتيجية المتبعة و عدم إمكانية تحقيق الأهداف المرسومة.

هذه التراكمية لسردية معينة خلقت حقيقة و هي ان الفن مجرد عمل هاوط و ليست عمل قادر على اعالة الشخص الممارس للفن.

ثقافة المناسبات

في خضم بحثنا حول أسباب و تداعيات أزمة الصناعة الثقافية كان لنا لقاء مع أسامة نبيل النباوي المدير التنفذي لجمعية أبولون الذي أكد لنا بأن ارتباط المشاريع او الأحداث الفنية و الثقافية

بمناسبات و احداث معينة كشهر رمضان او الفترة الصيفية و في بعض الأحيان الاجتماعات السياسية كان بالأساس احد اسباب تعميق الأزمة التي لا تعتبر وليدة الراهنة بل هي نتاج لخيار الدولة الوطنية منذ التأسيس إلى اليوم.

هذا الراهن الذي يشكل لنا الصورة السائدة للثقافة و هي الاتفاق شبه العام حول أن الثقافة او العمل الثقافي لا يكون بمقابل مما شكل صورة نمطية حول الفنان خالي الوفاض الذي لا يمكن له ان يضمن استقراره و استقلاليته بإمتهان الفن.

و هو ما خلق ثقافة عرضية و ليس إقتصاد ثقافي متكامل مما جعل الإنتاج الثقافي مرتبطا ارتباطا وثيقا بمنظومة الدعم.

أسامة نبيل النباوي

الصناعات الثقافية كمشروع وطني مفهوم جديد على الأقل بالبلاد التونسية

على عكس بعض الدول التي خلقت مشاريع للإقتصاد الثقافي كالصين و الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن الصناعات الثقافية كمشروع وطني مفهوم جديد بالبلاد التونسية و تعتبر المملكة المغربية نموذجا حيث ربطت أهم القطاعات ربحية و هي السياحة بالثقافة و خلقت مهرجنات عالمية لجذب السياح و تدعيم الدورة الاقتصادية و جعلت من المناطق الداخلية للبلاد أقطابا في الإنتاج السينمائي العالمي مما ساهم في خلق الثروة.

التكوين الفني لخلق دعائم للإقتصاد الثقافي و إدماج الفئات المهمشة

يمكن الحديث عن تجربتين رائدتين على الأقل تم إنجازهم على المستوى المحلي في مدينة قصرهلال من ولاية المنستير التي راهنت على دور المشاريع الثقافية في الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للفئات المهمشة.

تتمثل التجربة الاولى في المشروع الثقافي.” الخطوة الثانية” لجمعية أبولون التي آمنت بالتكوين الفني كعبّارة للإدماج الاقتصادي والثقافي للأفراد المحالين إجتماعيا و إقتصاديا على الهامش كالمنقطعين عن الدراسة و المعطلين عن العمل و غيرهم من خلال إدماجهم و تمكينهم من آليات الإدارة الثقافية و تقنيات الإبداع الفني ليصبحو أشخاص قادرين على خلق الثروة وتحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي من خلال الاستقلالية المالية.

يتمثل هذا المشروع الثقافي في بعث أكادمية للمسرح موجهة للشباب المنقطع عن الدراسة أو المعطل عن العمل و تمكينهم من تكوين في فن الممثل و التقنيات الركحية على يد ممثلين وأساتذة مسرح و تتوج في الختام بإنتاج أعمال مسرحية لعرضها في المهرجانات مما يمكن لهؤلاء الشباب من التعرف عن قرب لمهنة واعدة و كذلك خلق فرصة عمل.

خلال زيارتنا لمقر الأكادمية إلتقينا بعدد من الشباب الذين تم قبولهم للمشاركة بالورشات و دار بيننا حديث حول الأسباب و الدوافع التي حمستهم لخوض هذه التجربة و ماهي الآفاق المنتظرة

يقول إياد و هو شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر انه يعتبر التمثيل المسرحي متنفسا له من ضغوطات الحياة حيث يعتبر الروتين الدراسي قاسيا جدا و أنه وجد ضالته في التمثيل و قد إتخذ قرارا لإكمال دراسته الجامعية بالمعهد العالي للتكوين المسرحي و لما لا إمتهان التمثيل،و على غرار إياد فإن مريم و هي الشابة التي درست التنشيط الشبابي عبرت لنا عن إنبهارها بمدى حرفية التكوين و الاختيار الجيد للمكونين كخالد بوزيد و الشادلي العرفاوي الذين أضافوا الكثير لمكتسباتنا و ساهمو في صقل موهبتنا، الأكيد كانت تجربة رائعة أفادتنا كثيرا و غيرت نظرتنا لمستقبلنا المهني.

التكوين الفني عبّارة للإدماج الإقتصادي و الثقافي للأفراد المحالين إجتماعيا و إقتصاديا على الهامش

التجربة الثانية في مدينة قصرهلال هي من إنجاز جمعية ماجورات قصرهلال وهي تجربة لجمعية توجهت نحو الفئات المهمشة بالمدينة قصد تكوينهم و تعزيز إدماجهم في الحياة العامة و خلق منظومة اقتصادية متكاملة من خلال التدريب على تقنيات العزف و أساسيات الموسيقى.

الأكيد أنه توجد العديد من المبادرات بالجهات لكن لكي تصبح مشاريع متكاملة فهي في حاجة للتمويل.

التمويل العمومي لدعم المشاريع الثقافية

تحتاج المشاريع الثقافية للتمويل حتى تنطلق في تنفيذ أهدافها و تجسد تصورها على أرض الواقع.

تختلف جهات التمويل حسب المشاريع و الأهداف المزمع تحقيقها فهي تتراوح بين المانحين الدوليين من منظمات و مؤسسات عالمية تنشط في تونس ومن ناحية أخرى نجد التمويل العمومي للجمعيات و المشاريع الثقافية.

في لقائنا بالسيد الكاتب العام علي المديمغ المكلف بتسير بلدية قصرهلال أكد لنا في مستهل حديثه بأن البلدية منفتحة على كل المبادرات و المشاريع الثقافية التي تهدف لتشريك الشباب و خلق حركة ثقافية بالجهة و ذلك من خلال دعم الجمعيات وتقديم منح في شكل تمويل عمومي لإنجاز المشاريع المصادق عليها.

في حوارنا معه حول ضعف نسبة التمويل مقارنة بعدد الجمعيات بالمدينة و هي في حدود 58 جمعية أكد لنا أن عدد الجمعيات الثقافية قليل مقارنة بالجمعيات ذات الصبغة الاجتماعية و الرياضية و جلها غير ناشط و رغم ذلك فإن البلدية لديها ميزانية محدودة للتمويل حيث لم يتجاوز حجم الدعم سنة 2023 حدود 15،000 دينار و هو رقم أقل ب 5،000 دينار عن السنة التي سبقتها و هو مبلغ محدود مقارنة بعدد الجمعيات في المدينة و لكن دعم البلدية لم يقتصر على التمويل المباشر بل استثمرت في إقتناء المسرح البلدي من الأملاك المصادرة و هو في طور التجهيز و سيفتتح عن قريب و سيكون مكسبًا هامًا لأبناء الجهة و الجمعيات الثقافية.

المسرح البلدي مكسب هام لدعم المشاريع الثقافية بالجهة

لا بد من بذل المزيد من الجهود حتى تعود للثقافة حيويتها و تصبح قوة دافعة وقيمة مضافة اقتصادية و جعل الثقافة رافداً لدعم الاقتصاد التنموي في تونس وخلق مشاريع ثقافية مستدامة.

أسامة نبيل النباوي المدير التنفذي لجمعية أبولون

- Advertisement -

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.